الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه logo إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك.
shape
شرح كتاب العظمة المجموعة الثانية
139858 مشاهدة print word pdf
line-top
الحكمة من خلق الشمس والقمر

...............................................................................


ذكر الله أن القمر نور، وأن الشمس ضياء جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وجعل القمر يستفاد منه في الليل؛ في الليالي الظلماء. الذي يسري في الليلة الظلماء يستضيء بضوء القمر في البراري والصحاري، جعله آية الليل؛ قال الله تعالى: وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً آية النهار هي الشمس؛ يعني أنها مضيئة إضاءة شديدة. فإنها إذا طلعت أضاءت على الأرض التي تطلع عليها؛ بحيث أن ضوءها يدخل في داخل الدور، يدخل مع الأبواب،ومع النوافذ؛ يستضاء بها في الأماكن المظلمة؛ فلذلك جعلها الله تعالى نورا، وجعل وقتها هو النهار؛ فزمانها هو النهار، وزمان القمر والاستفادة منه هو في الليل.
فإذا عرفنا ذلك؛ نعرف أنهما آيتان من آيات الله خلقهما لمصلحة العباد؛ فيهما فوائد؛ فمن ذلك: معرفة الأوقات؛ نعرف منتهى اليوم بغروب الشمس. إذا غربت الشمس انتهى هذا اليوم، وإذا طلعت ابتدأ اليوم الثاني. إذا غربت ابتدأت الليلة، وإذا طلعت انتهت الليلة. وهكذا يعرف الأسبوع بمرور الشمس، سبعة أيام تمر تطلع فيها الشمس كل يوم فيعرف بذلك الأسبوع. وأما الشهر فإنه يعرف بالقمر؛ ولو عرف بالشمس يعني: بعدد الأيام؛ لكن العلامة الظاهرة هي القمر. فإذا هَلَّ القمر عرف بأنه انتهى الشهر الماضي ودخل شهر جديد.
وهكذا أيضا معرفة السنوات. يحسبون اثني عشر شهرا، ويعرفون بذلك أنها قد انتهت السنة. دليل ذلك قول الله تعالى: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أي: أشهر السنة اثنا عشر شهرا، هذه هي الأشهر القمرية، وهي الأشهر المشاهدة. علامتها هذه الأهلة؛ قال الله تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ سألوا عن الهلال؛ لماذا جُعل هذا الهلال؟ فذكر الحكمة؛ أنه لمعرفة الأوقات.
وهكذا قال الله تعالى بعدما ذكر أنه سخر الشمس والقمر؛ قال تعالى: وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ولا شك أنها آيات من آيات الله. يقول الله تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ يعني: من الآيات التي يستدل بها على كمال قدرته، وعلى عظمته؛ جعل الليل والنهار وجعل الشمس والقمر. ويقول تعالى: وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ يعني: ينسلخ النهار ويظلم الليل. فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ .
والشمس, يعني وآية لهم وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا تسير إلى المستقر الذي قدر الله أنها تستقر فيه؛ إما أنه ما ذكر من أنها تسجد تحت العرش، وإما أن المستقر هو منتهى سيرها في الآخرة. تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ يعني: لا ينبغي للشمس أن تدرك القمر، يعني: تمنعه أن يضيء. وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ بل جعل الله الليل له وقت، والنهار له وقت، وكل منهما يسير، وكل منهما يجري؛ ولهذا قال الله تعالى: وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ .
ذكروا: أن الشمس مركبة في فلك؛ يعني: مركبة في فلك دائرة، وأنها تمشي في هذا الفلك، تسير فيه سيرا سريعا؛ بحيث أنها تقطع هذه المسافة الطويلة في أربع وعشرين ساعة. وكذلك القمر مركب أيضا في فلك. وهكذا النجوم ركبها الله تعالى في أفلاك مستديرة حول الأرض؛ فهي تسير فيها بتسخير الله تعالى، سخرها؛ سخر لكم النجوم وسخر لكم الليل والنهار وسخر لكم الشمس والقمر.
وكل ذلك فيه فوائد؛ فمنها ما ذكر من قوله: قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ومن ذلك ما ذكر أيضا من قوله: لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ ومن ذلك العبرة؛ أي: لتعتبروا بها. ومن ذلك تمام المصالح؛ يعني مصالح العباد. قال الله تعالى: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ لو أن الليل دائم على الدنيا كلها لما تمت مصالحهم، ثم قال: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا يعني: مستمرا دائما مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ الله هو الذي يأتي بهذا وبهذا. يقدر وقت هذا ووقت هذا. فهذه من آيات الله.
ولهذا قال تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ يعني: منامكم غالبا بالليل، وابتغاؤكم من فضله بالنهار. فذلك من آيات الله التي نصبها لعباده.

line-bottom